"القناة الأمازيغية" في الميزان .. تجربة تتلمس طريق "دمقرطة" الإعلام
صورة: أرشيف هسبريس - وائل بورشاشن الأحد 27 يونيو 2021 - 23:27
يوفر كتاب جديد يتطرق لتجربة القناة الأمازيغية مرجعا للاطلاع على تاريخ “الإعلام الأمازيغي” بالمغرب ووضعه الراهن وتحدياته، فضلا عن تأطير وبسط لمعالم تجربة “قناة تمازيغت” وبرامجها ومساءلة لمدى نجاحها في “دمقرطة” المشهد الإعلامي بالمملكة.
وعنونت الباحثة خديجة عزيز هذا الكتاب بـ”قناة تمازيغت.. النشأة والرهانات”، وصدر بمساهمة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية.
وقدم هذا العمل الجديد الباحث المغربي التجاني بولعوالي، الذي وصفه بـ”المحاولة البحثية الجادة” و”القيمة الإضافية للتراكم المعرفي الأمازيغي” وذكر أنه “لبنة أساسية” في “مسار التوثيق لتاريخ الإعلام الأمازيغي وراهنه”.
ويقصد الكتاب بـ”الإعلام الأمازيغي” الإعلام السمعي البصري والمكتوب الذي “يستعمل اللغة الأمازيغية، ويعمل على التعريف بالثقافة والهوية الأمازيغيتين وإبرازهما”، ويسجل أن من بين ما يندرج في إطار هذا المفهوم “الجرائد والمجلات التي تستعمل اللغتين العربية والفرنسية بهدف خلق الإشعاع المطلوب للثقافة والهوية الأمازيغيتين في المجتمع، ولدى الفئات غير الناطقة بالأمازيغية”.
ويتطرق الكتاب إلى تاريخ الإعلام الأمازيغي بالمغرب، وواقعه في سياق تحول الموقف الرسمي من ترسيم اللغة الأمازيغية وصيانة اللغة والثقافة الأمازيغيتين، ومسار القناة الأمازيغية منذ إحداثها سنة 2010 إلى سنة 2020، مرورا بجرد للمواقف حول عملها وخطها التحريري ومنجزاتها مقارنة بدفاتر تحملاتها.
ويعرج كتاب الباحثة خديجة عزيز على تاريخ الإعلام الأمازيغي الذي بدأ نشاطه في ثلاثينيات القرن الماضي، زمن الحماية الفرنسية. كما يتطرق إلى عدم انطلاق الإعلام الأمازيغي المرئي إلا سنة 1994، “ليتطور بعد ذلك إلى إحداث قناة تلفزيونية أمازيغية خاصة سنة 2010”. مع الإشارة إلى فترات إنشاء “منابر إعلامية مناضلة، سعت إلى إبراز وتطوير الخطاب الأمازيغي” باللغتين العربية والفرنسية.
ويقول الكتاب إن “الأمازيغية في حقل الإعلام قد ظلت، لأمد طويل، تعاني من التهميش بسبب اختيارات الدولة الوطنية غداة الاستقلال وما بعده”، قبل أن يستدرك قائلا إنه بعد جلوس الملك محمد السادس على العرش سنة 1999 “عرفت نوعا من الاهتمام حظيت خلاله بمكانة في مختلف مجالات الحياة العامة، وخاصة مجالي التعليم والإعلام”.
وتعود المؤلفة إلى ما قبل سنة 1994، حين “لم تكن التلفزة المغربية تسمح بإنتاج برامج ناطقة بالأمازيغية” و”كانت تفرض الحديث عن الأمازيغية بإحدى اللغتين العربية أو الفرنسية، وكانت إدارة التلفزيون تقترح على المنتجين لبرامج أمازيغية إعادة تسجيلها بالعربية ليتم قبولها والترخيص ببثها، وفي اللحظات النادرة التي كانت تبث فيها أغان بالأمازيغية كانت تبرمج في وقت متأخر جدا (…) كما كان يتم التركيز على الطابع الفولكلوري للثقافة الأمازيغية، وتقديمها في شكل لوحات محنطة فاقدة للحياة، بدون إبراز عمقها وأبعادها الحقيقية”.
ويسجل الكتاب أن قرار إدراج الأمازيغية في الإعلام السمعي البصري يستمد مرجعيته السياسية والقانونية من “خطاب أجدير” الملكي (17 أكتوبر 2001)، والظهير المنشئ لـ”المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية”، حيث نص هذا الأخير على ضرورة “البحث عن المناهج الكفيلة بتعزيز وتشجيع مكانة الأمازيغية في مجالي التواصل والإعلام”.
ويذكر المصدر ذاته أن المعهد قد فتح قنوات الاتصال “مع من يهمه الأمر” بخصوص الجانب الإعلامي، ووقعت اتفاقية شراكة وتعاون مع وزارة الاتصال صيف سنة 2004، وأحدثت تبعا لهذه الاتفاقية لجنة ثنائية مشتركة انكبت على دراسة خطة إدماج الأمازيغية في الإعلام العمومي.
ويرد في الكتاب أن القناة الأمازيغية قد استطاعت أن تستقطب “مختلف شرائح المجتمع المغربي عبر التراب الوطني، بما في ذلك المناطق الأكثر تهميشا. كما شدت إليها انتباه الجالية المغربية بالخارج، بفضل “انتقال طواقم القناة الشابة إلى كل المناطق”؛ وهو ما نتج عنه “إعداد برامج شيقة وجديرة بالمشاهدة، منها برامج الاستطلاع والتحقيق، والبرامج الثقافية والفنية، وبرامج الخدمات الاجتماعية والإرشاد اليومي وغيرها”.
ولاحظ الكتاب أن القناة “قد استطاعت تحقيق برامج النقاش السياسي والثقافي العمومي والشأن المحلي، وأنجزت روبورتاجات وبورتريهات وأفلاما وثائقية (…) وأبرزت الكثير من الوجوه التي كانت مغمورة، وكذا التي اشتهرت في مجالات محددة دون أن يعرف الناس أنها وجوه أمازيغية (…) كما نجحت في استقطاب العديد من الوجوه الفنية التقليدية والعصرية، المسنة والشابة، التي ظلت التلفزة المغربية متجاهلة لها لنصف قرن (…) ومكنت المشاهد من التعرف على المسكوت عنه صوريا من مغرب غني الثقافة ومتنوع الجغرافية، وهو ما كان ينتظره الجمهور في العمق”.
كما يرى الكتاب أن لقناة “تمازيغت” دورا أساسيا في “تنزيل دسترة الحرف الأمازيغي، من خلال مساهمة صحافييها في نشره انطلاقا من كتابة الشعارات أو ترجمة وكتابة أسماء مؤسسات وجمعيات بخط تيفيناغ”.
ويحتفي الكتاب باختيار القناة عدم “الاحتكار اللغوي الصرف الخالص” وبثها عددا من برامجها في أحيان كثيرة بـ”لغة مزدوجة أمازيغية وعربية؛ مما خلق تناغما قويا بين المعطيين اللسانيين، بعيدا عن أي إقصاء مجاني، وغير مقبول بالأساس”.
ومع “إمكان الاعتزاز بما تقدمه القناة الأمازيغية من أشياء إيجابية تتوخى الرفع من مستوى إدراك الناس تجاه هويتهم” يقول الكتاب إن “عليها مستقبلا (…) الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى أكثر احترافية وجودة من ناحية البرامج الاجتماعية والبرامج الدينية، وخلق المزيد من البرامج الثقافية الهادفة”.
وبخصوص اللغة المستعملة، يسجل الكتاب أن “ما يعزز من مصداقية القناة ويفتح آفاق المراهنة عليها في مغرب متطور هو مدى قدرتها على اعتماد لغة معيارية تجمع بين التعبيرات الأمازيغية الثلاثة، يمكن للجميع فهمها، خاصة أنها تتوفر على بنيات مشتركة؛ لأن الاختلافات توجد فقط على مستوى النطق والصواتة”، وتزيد المؤلفة: “يمكن الاستعانة بالدور البيداغوجي للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومجهوداته القيمة لضبط المصطلحات والوصول إلى لغة حديثة معيارية، موحدة ومفهومة لدى جميع الأمازيغ بكل حساسياتهم؛ فاللغة الموظفة في القناة الثامنة ضعيفة، سواء الموظفة في البرامج الإخبارية والثقافية والفنية أو الموظفة في البرامج السياسية”.
ومن بين أهم النقائص والعوائق في هذه التجربة، وفق المصدر ذاته: “ضعف الميزانية المخصصة للقناة، ووجود خصاص كبير في العنصر البشري، مما جعلها عاجزة عن إنتاج برامج في مستوى الجودة التي تطمح إليها، وكون 90 في المائة من إنتاج القناة من إنجاز داخلي، وهو ما يعد عامل أزمة، بالنظر إلى الإمكانيات البشرية والمادية المرصودة لها، التي لا تستجيب، في غالب الأحيان، إلى الالتزامات والتعهدات الملقاة على عاتقها”.
ومن بين العوائق أيضا “بث القناة عبر الأقمار الصناعية علما أن غالبية السكان الأمازيغ من القرى لا يتوفرون على الـ”بارابول”، ووجود غموض واضح في مفهوم الأمازيغية لدى بعض العاملين في القناة؛ فباستثناء بعض الشباب الذين تلقوا تأطيرا داخل الحركة الأمازيغية، فإن بعض العاملين في القناة يكادون يختزلون عملهم في استعمال الأمازيغية كلغة، بغض النظر عن المضامين الفكرية والقيمية التي يمررونها”.
ويسجل الكتاب “الإكثار من البرامج الدينية التقليدية” في القناة “التي تتوجه إلى المشاهدين وكأنهم أطفال قاصرون”، مما ظهر معه “كما لو أن القناة تتوجه إلى شريحة اجتماعية حديثة العهد بالتعرف على الدين الإسلامي، خلافا للقنوات الأخرى التي لا تبث أكثر من برنامج واحد في الأسبوع”.
ويذكر العمل البحثي في تقييمه لتجربة القناة أنها لم تقم، إلا نادرا جدا، بإنتاج أو بث برامج باللغة الفرنسية، كما ينص على ذلك دفتر التحملات الذي يقر بضرورة بث 30 في المائة من البرامج باللغتين العربية والفرنسية.
كما يسجل الكتاب “غلبة المادة الفنية التقليدية على الإنتاجات العصرية”، مستحضرا وصف متابعين لهذا بـ”الفلكلور”؛ بينما “الصحيح أن الأمر يتعلق بحصص البث المخصصة للموسيقى والغناء التي يهيمن عليها الفنانون التقليديون باعتبارهم الأكثر عددا والأغزر إنتاجا، وهو ما يحتم على القناة محاولة إحداث التوازن بينهم، رغم التفاوت”.
ويرد العمل على ما وصفه بـ”النظرة الميكانيكية -المجحفة- إلى الفنان التقليدي بوصفه منتجا للفلكلور”، وينبه إلى أنها “قد تؤدي إلى تغييبه وإقصائه بعد أن قضى نصف قرن في انتظار تلفزة مغربية تفتح له أبوابها وتكرمه وتحتفي به وتعرف بإنتاجاته؛ وهو ما يحتم التمييز المنهجي والمعرفي بين ما يسمى بـ”الفلكلور” وبين فنوننا الأصيلة التي كان لها الفضل في الحفاظ على اللغة والثقافة الأمازيغيتين حتى الآن”.
المصدر
0 commentaires:
إرسال تعليق